للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ مَعْدُولَةً عَنْ اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلَةً فِي غَيْرِ مَذْهَبِ أَهْلِهَا. قُلْنَا: قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُقَرَّرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمُبْقَاةٌ عَلَى مُقْتَضَيَاتِهَا وَلَيْسَتْ مَنْقُولَةً إلَّا أَنَّهَا زِيدَ فِيهَا أُمُورٌ. فَلَوْ سَلَّمْنَا لِلْخَصْمِ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَنْقُولَةً أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْمَجَازِ بِدَلِيلِ مَقْطُوعٍ بِهِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ. فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إزَالَةُ ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ بِسَبَبِ إزَالَةِ ظَاهِرٍ مِنْهَا. فَيُقَالُ: أَنْتُمْ فِي الْإِيمَانِ جَعَلْتُمْ الشَّرْعَ زَادَ فِيهِ وَجَعَلْتُمُوهُ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا مِنْ الشَّرْعِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُسَمَّى بِهِ إلَّا الْمُوَافَاةُ بِهِ وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ دَلَالَةَ الشَّرْعِ عَلَى ضَمِّ الْأَعْمَالِ إلَيْهِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَكَيْفَ لَمْ تَدْخُلْ الْأَعْمَالُ فِي مُسَمَّاهُ شَرْعًا؟ وَقَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ عَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: النَّقْضُ بِالْمُوَافَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ فِيهِ. (الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ بَلْ نَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْظَمُ مِمَّا نَقْطَعُ بِبَعْضِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ كَمَسَائِلِ النِّزَاعِ. ثُمَّ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ فورك وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمُوَافَاةِ هُمْ لَا يَجْعَلُونَ الشَّرْعَ ضَمَّ إلَيْهِ شَيْئًا بَلْ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَنْ سَلَبَهُ الشَّرْعُ اسْمَ الْإِيمَانِ فَقَدْ فَقَدَ مِنْ قَلْبِهِ التَّصْدِيقَ. قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ شَرْطًا فِي كَوْنِهِ إيمَانًا