تُدْعَوْنَ إلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُبَّهُ وَمَقْتَهُ جَزَاءٌ لِعَمَلِهِمْ وَأَنَّهُ يُحِبُّهُمْ إذَا اتَّقَوْا وَقَاتَلُوا؛ وَلِهَذَا رَغَّبَهُمْ فِي الْعَمَلِ بِذَلِكَ كَمَا يُرَغِّبُهُمْ بِسَائِرِ مَا يَعِدُهُمْ بِهِ؛ وَجَزَاءُ الْعَمَلِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إذْ تُدْعَوْنَ إلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَمْقُتُهُمْ إذْ يَدْعُونَ إلَى الْإِيمَانِ فَيَكْفُرُونَ؛ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} فَقَوْلُهُ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ} ؛ بَيَّنَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ هَذَا الْوَقْتَ فَإِنَّ حَرْفَ (إذْ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ ذَاكَ الْوَقْتَ رَضِيَ عَنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَأَثَابَهُمْ عَلَيْهِ وَالْمُسَبِّبُ لَا يَكُونُ قَبْلَ سَبَبِهِ وَالْمُوَقَّتُ بِوَقْتِ لَا يَكُونُ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ وَإِذَا كَانَ رَاضِيًا عَنْهُمْ مِنْ جِهَةٍ فَهَذَا الرِّضَى الْخَاصُّ الْحَاصِلُ بِالْبَيْعَةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا حِينَئِذٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: {يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ رَضِيتُمْ؛ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَصَلَ لَهُمْ هَذَا الرِّضْوَانُ الَّذِي لَا يَتَعَقَّبُهُ سُخْطٌ أَبَدًا. وَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الرِّضْوَانِ قَدْ يَتَعَقَّبُهُ سُخْطٌ. " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ {يَقُولُ: كُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ} وَفِي " الصِّحَاحِ ": عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute