للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَثْبَتُوا الْقُدَمَاءَ الْخَمْسَةَ وَأَخَذُوا مِنْ الْمَذَاهِبِ مَا هُوَ مِنْ شَرِّهَا وَأَفْسَدِهَا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَدِّقُ بِهَا مَعَ قَوْلِهِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ لَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ النَّبِيَّ بِمَنْزِلَةِ مَلَكٍ عَادِلٍ فَيَجْعَلُونَ النُّبُوَّةَ كُلَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ وَالتَّخَيُّلِ فَيَجْعَلُونَ خَاصَّةَ النَّبِيِّ " ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ ": قُوَّةُ الْحَدْسِ الصَّائِبِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ وَقُوَّةُ التَّأْثِيرِ فِي الْعَالَمِ، وَقُوَّةُ الْحِسِّ الَّتِي بِهَا يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ الْمَعْقُولَاتِ مُتَخَيَّلَةً فِي نَفْسِهِ فَكَلَامُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَمَلَائِكَتِهِ هِيَ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الصُّوَرِ وَالْأَنْوَارِ وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَحْصُلُ لِغَالِبِ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ وَالصَّفَا؛ فَلِهَذَا كَانَتْ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ مُكْتَسَبَةً. وَصَارَ كُلُّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كالسهروردي الْمَقْتُولِ وَابْنِ سَبْعِينَ الْمَغْرِبِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا - يَطْلُبُ النُّبُوَّةَ وَيَطْمَعُ أَنْ يُقَالَ لَهُ قُمْ فَأَنْذِرْ هَذَا يَقُولُ: لَا أَمُوتُ حَتَّى يُقَالَ لِي: قُمْ فَأَنْذِرْ وَهَذَا يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ وَيَعْمِدُ إلَى غَارِ حِرَاءٍ وَيَطْلُبُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْيُ كَمَا نَزَلَ عَلَى الْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ مِثْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا، وَمَنْ أَمْثَالُهُمَا يَسْعَى بِأَنْوَاعِ السِّيمِيَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ السِّحْرِ وَيَتَوَهَّمُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ السِّحْرِ السيميائي. وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طَلَبُ النُّبُوَّةِ وَادِّعَاؤُهَا - لِعِلْمِهِ بِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: {لَا نَبِيَّ بَعْدِي} أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ طَلَبَ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْ النُّبُوَّةِ وَأَنَّ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ أَعْظَمُ مِنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ عَنْ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ