وَالنَّبِيُّ يَأْخُذُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ، وَبُنِيَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ مَتْبُوعِيهِ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ: مَا يُتَصَوَّرُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ هِيَ الْمَلَائِكَةُ: مِنْ الْأَشْكَالِ النُّورَانِيَّةِ الْخَيَالِيَّةِ " فَالْمَلَائِكَةُ " عِنْدَهُمْ مَا يَتَخَيَّلُهُ فِي نَفْسِهِ. وَ " النَّبِيُّ " عِنْدَهُمْ مَا يَتَلَقَّى بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّخَيُّلِ وَ " الْوَلِيُّ " يَتَلَقَّى الْمَعَارِفَ الْعَقْلِيَّةَ بِدُونِ هَذَا التَّخَيُّلِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ تَلَقَّى الْمَعَارِفَ بِلَا تَخَيُّلٍ كَانَ أَكْمَلَ مِمَّنْ تَلَقَّاهَا بِتَخَيُّلِ. فَلَمَّا اعْتَقَدُوا فِي النُّبُوَّةِ مَا يَعْتَقِدُهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ صَارُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْوِلَايَةَ أَعْظَمُ مِنْ النُّبُوَّةِ كَمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ: إنَّ الْفَيْلَسُوفَ أَعْظَمُ مِنْ النَّبِيِّ؛ فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ الْفَارَابِيِّ وَمُبَشِّرِ بْنِ فَاتِكٍ وَغَيْرِهِمَا، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ النُّبُوَّةُ أَفْضَلُ الْأُمُورِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لَا عِنْدَ الْخَاصَّةِ. وَيَقُولُونَ: خَاصَّةُ النَّبِيِّ جَوْدَةُ التَّخْيِيلِ وَالتَّخَيُّلِ فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْرَجُوا الْفَلْسَفَةَ فِي قَالَبِ الْوِلَايَةِ وَعَبَّرُوا عَنْ الْمُتَفَلْسِفِ بِالْوَلِيِّ وَأَخَذُوا مَعَانِيَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَبْرَزُوهَا فِي صُورَةِ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُخَاطَبَةِ وَقَالُوا: إنَّ الْوَلِيَّ أَعْظَمُ مِنْ النَّبِيِّ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُجَرَّدَةَ يَأْخُذُهَا عَنْ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةِ تَخَيُّلٍ لِشَيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَالنَّبِيُّ يَأْخُذُهَا بِوَاسِطَةِ مَا يَتَخَيَّلُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الصُّوَرِ وَالْأَصْوَاتِ وَلَمْ يَكْفِهِمْ هَذَا الْبُهْتَانُ حَتَّى ادَّعَوْا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ يَسْتَفِيدُونَ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْهَلِ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ هُوَ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ " الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ " السَّارِي فِي الْكَائِنَاتِ فَوُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ. وَحَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ - قَوْلُ الدَّهْرِيَّةِ الطَّبعيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute