للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ زَيْدًا مِنْ عَمْرٍو لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُنَزِّلَ مَطَرًا فَتَنْبُتُ الْأَرْضُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ إنْزَالَهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ قَوْمٌ فَيَغْرَقُ بَعْضُهُمْ؛ وَيَسْلَمُ بَعْضُهُمْ؛ وَيَرْبَحُ بَعْضُهُمْ؛ فَإِنَّمَا أَرَادَهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ؛ قَرَنَ بِالْإِيمَانِ نَعِيمَ أَصْحَابِهِ؛ وَبِالْكُفْرِ عَذَابَ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ جَعْلُ شَيْءٍ لِشَيْءِ سَبَبًا وَلَا خَلْقُ شَيْءٍ لِحِكْمَةِ؛ لَكِنْ جَعْلُ هَذَا مَعَ هَذَا. وَعِنْدَهُمْ جَعْلُ السَّعَادَةِ مَعَ الْإِيمَانِ لَا بِهِ كَمَا يَقُولُونَ: إنَّهُ خَلَقَ الشِّبَعَ عِنْدَ الْأَكْلِ لَا بِهِ؛ فَالدِّينُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ هُوَ مَا قَرَنَ بِهِ سَعَادَةَ صَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ عِنْدَهُمْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ كَمَا أَرَادَهُ؛ لَكِنْ لَمْ يُحِبَّهُ مَعَ سَعَادَةِ صَاحِبِهِ؛ فَلَمْ يُحِبَّهُ دِينًا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ مَعَ سَعَادَةِ صَاحِبِهِ دِينًا. وَهَذَا الْمَشْهَدُ الَّذِي شَهِدَهُ أَهْلُ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا الرَّبَّ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِإِرَادَتِهِ وَعَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مَا أَرَادَ. وَلَا سَبَبَ عِنْدَهُمْ لِشَيْءِ وَلَا حِكْمَةٍ؛ بَلْ كُلُّ الْحَوَادِثِ تَحْدُثُ بِالْإِرَادَةِ.

ثُمَّ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ ونفاة الصِّفَاتِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ لَا يُثْبِتُونَ إرَادَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ بَلْ إمَّا أَنْ يَنْفُوهَا؛ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلُوهَا بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: أَحْدَثَ إرَادَةً لَا فِي مَحَلٍّ. وَأَمَّا مُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ: كَابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا - مِمَّنْ يُثْبِتُ