الْعِبَادَ يَتَلَذَّذُونَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ عِنْدَ النَّظَرِ يَخْلُقُ لَهُمْ مِنْ اللَّذَّاتِ بِالْمَخْلُوقَاتِ مَا يَتَلَذَّذُونَ بِهِ لَا أَنَّ نَفْسَ النَّظَرِ إلَى اللَّهِ يُوجِبُ لَذَّةً وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي فِي " الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ ". وَجَعْلُ هَذَا مِنْ أَسْرَارِ التَّوْحِيدِ هُوَ مِنْ إشْرَاكِ التَّوْحِيدِ الَّذِي يُسَمِّيهِ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ تَوْحِيدًا لَا مِنْ أَسْرَارِ التَّوْحِيدِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ؛ فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَعْنَى فِي الْمَحْبُوبِ يُحِبُّهُ الْمُحِبُّ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَوْجُودَاتِ شَيْءٌ يُحِبُّهُ الرَّبُّ إلَّا بِمَعْنَى يُرِيدُهُ وَهُوَ مُرِيدٌ لِكُلِّ الْحَوَادِثِ؛ وَلَا فِي الرَّبِّ عِنْدَهُمْ مَعْنًى يُحِبُّهُ الْعَبْدُ وَإِنَّمَا يُحِبُّ الْعَبْدُ مَا يَشْتَهِيهِ وَإِنَّمَا يَشْتَهِي الْأُمُورَ الطَّبِيعِيَّةَ الْمُوَافِقَةَ لِطَبْعِهِ وَلَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ عِنْدَهُمْ إلَّا اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ.
وَالْحِزْبُ الثَّانِي مِنْ الصُّوفِيَّةِ: الَّذِي كَانَ هَذَا الْمَشْهَدُ هُوَ مُنْتَهَى سُلُوكِهِمْ عَرَّفُوا الْفَرْقَ الطَّبِيعِيَّ؛ وَهُمْ قَدْ سَلَكُوا عَلَى تَرْكِ هَذَا الْفَرْقِ الطَّبِيعِيِّ وَأَنَّهُمْ يَزْهَدُونَ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ وَأَهْوَائِهَا؛ لَا يُرِيدُونَ شَيْئًا لِأَنْفُسِهِمْ؛ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّمَا طَلَبَ هَوَاهُ وَحَظَّهُ؛ وَهَذَا كُلُّهُ نَقْصٌ عِنْدَهُمْ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ وَهُوَ بَقَاءٌ مَعَ النَّفْسِ وَحُظُوظِهَا. وَالْمَقَامَاتُ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ - التَّوَكُّلُ وَالْمَحَبَّةُ؛ وَغَيْرُ ذَلِكَ - إنَّمَا هِيَ مَنَازِلُ أَهْلِ الشَّرْعِ السَّائِرِينَ إلَى عَيْنِ الْحَقِيقَةِ؛ فَإِذَا شَهِدُوا تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عِلَلًا فِي الْحَقِيقَةِ؛ إمَّا لِنَقْصِ الْمَعْرِفَةِ وَالشُّهُودِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ ذَبَّ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute