للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ الْأُولَى الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَيْضًا عَلَى خِلَافِ الْمَعْلُومِ وَالْمُرَادِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إلَّا عَلَى مَا فَعَلَهُ وَلَيْسَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَا عَلِمَ اللَّهُ كَوْنَهُ وَأَرَادَ كَوْنَهُ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْحَوَارِيِّينَ: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} إنَّمَا اسْتَفْهَمُوا عَنْ هَذِهِ الْقُدْرَةِ وَكَذَلِكَ ظَنَّ يُونُسُ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [أَيْ فُسِّرَ] (*) بِالْقُدْرَةِ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ؛ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا؟ أَيْ هَلْ تَفْعَلُهُ؟ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ النَّاسِ. وَلَمَّا اعْتَقَدَتْ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّ الْأُولَى كَافِيَةٌ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يُحْدِثُ مَشِيئَتَهُ جَعَلَهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ اللَّهِ حِينَ الْفِعْلِ كَمَا أَنَّ الْجَبْرِيَّةَ لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُوجِبَةٌ لِلْفِعْلِ وَهِيَ مِنْ غَيْرِهِ رَأَوْهُ مَجْبُورًا عَلَى الْفِعْلِ وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَهُ مَشِيئَةٌ وَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} {وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْعَبْدَ مُرِيدًا مُخْتَارًا شَائِيًا امْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَجْبُورٌ مَقْهُورٌ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ جُعِلَ مُرِيدًا. وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَعَ لِنَفْسِهِ الْمَشِيئَةَ فَإِذَا قِيلَ هُوَ مَجْبُورٌ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَشَاءَ فَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٥٩): لعله: إذا فسر