للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْجَبْرِ بِالِاضْطِرَارِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ. وَلِهَذَا افْتَرَقَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضٍ وَكِلَاهُمَا مُصِيبٌ فِيمَا أَثْبَتَهُ دُونَ مَا نَفَاهُ فَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ يَزْعُمُونَ: أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُحْدِثُ أَفْعَالَهُ وَتَصَرُّفَاتِهِ: عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ وَأَنْ جَحْدَ ذَلِكَ سَفْسَطَةٌ. وَابْنُ الْخَطِيبِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعِلْمَ بِافْتِقَارِ رُجْحَانِ فِعْلِ الْعَبْدِ عَلَى تَرْكِهِ إلَى مُرَجِّحٍ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ الْمُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِمُرَجِّحِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ؛ لَكِنَّ دَعْوَى اسْتِلْزَامِ أَحَدِهِمَا نَفْيَ الْآخَرِ لَيْسَ بِصَحِيحِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ مُحْدِثٌ لِأَفْعَالِهِ كَاسِبٌ لَهَا وَهَذَا الْإِحْدَاثُ مُفْتَقِرٌ إلَى مُحْدِثٍ فَالْعَبْدُ فَاعِلٌ صَانِعٌ مُحْدِثٌ وَكَوْنُهُ فَاعِلًا صَانِعًا مُحْدِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ كَمَا قَالَ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} فَإِذَا شَاءَ الِاسْتِقَامَةَ صَارَ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ قَالَ: {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . فَمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ كُلُّهُ حَقٌّ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَالْعَبْدُ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ فَقْرًا ذَاتِيًّا لَهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَعَ أَنَّ لَهُ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَأَفْعَالًا فَنَفْيُ أَفْعَالِهِ كَنَفْيِ صِفَاتِهِ وَذَاتِهِ وَهُوَ جَحْدٌ لِلْحَقِّ شَبِيهٌ بِغُلُوِّ غَالِيَةِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَهُ هُوَ الْحَقَّ أَوْ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ اللَّهِ أَوْ كَائِنًا بِدُونِهِ جَحْد لِلْحَقِّ شَبِيهٌ بِغُلُوِّ الَّذِي قَالَ: