بَيَانُ مَا أَنْكَرَتْ الْجَهْمِيَّة مِنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى فَقُلْنَا لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ إنَّمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعَبَّرَ عَنْ اللَّهِ وَخَلَقَ صَوْتًا فَأَسْمَعَ وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جَوْفٍ وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ. فَقُلْنَا: فَهَلْ يَجُوزُ لِمُكَوِّنِ غَيْرِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: يَا مُوسَى أَنَا رَبُّكَ أَوْ يَقُولَ: {إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ فَقَدْ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ الجهمي أَنَّ اللَّهَ كَوَّنَ شَيْئًا كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْمُكَوِّنُ: يَا مُوسَى إنَّ اللَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وَقَالَ: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} وَقَالَ: {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} فَهَذَا مَنْصُوصُ الْقُرْآنِ. فَأَمَّا مَا قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ. وَلَا يُكَلِّمُ فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ خيثمة عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُ رَبَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ} . وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ قَالَ: قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَتَحَرَّكُ وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ فَقَدْ شَبَّهْتُمْ اللَّهَ بِخَلْقِهِ حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute