سَبَبًا أَنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ إذَا وُجِدَ فَلَيْسَ هُنَا حُكْمٌ آخَرُ وَإِنْ أَرَدْتُمْ مَعْنًى آخَرَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَسْبَابَ تَضَمَّنَتْ صِفَاتٍ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ شُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا وَشُرِعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْحِكْمَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الَّذِينَ قَالُوا لَا تَأْثِيرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي أَفْعَالِهِ هُمْ هَؤُلَاءِ أَتْبَاعُ جَهْمٍ نفاة الْأَسْبَابِ؛ وَإِلَّا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ الْمُخَالِفُونَ لِلْمُعْتَزِلَةِ إثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَأَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ مَعَ فِعْلِهِ لَهَا تَأْثِيرٌ كَتَأْثِيرِ سَائِرِ الْأَسْبَابِ فِي مُسَبَّبَاتِهَا؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَسْبَابَ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَالْأَسْبَابُ لَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً بِالْمُسَبَّبَاتِ؛ بَلْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَسْبَابٍ أُخَرَ تُعَاوِنُهَا وَلَهَا - مَعَ ذَلِكَ - أَضْدَادٌ تُمَانِعُهَا وَالْمُسَبَّبُ لَا يَكُونُ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ جَمِيعَ أَسْبَابِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهُ أَضْدَادَهُ الْمُعَارِضَةَ لَهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ جَمِيعَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا يَخْلُقُ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ فَقُدْرَةُ الْعَبْدِ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ وَفِعْلُ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ بِهَا وَحْدَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَإِذَا أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ الْقُوَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْإِنْسَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ الْمَوَانِعِ كَإِزَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute