للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: {أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي} وَمِنْ نِعَمِهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْحَسَنَاتِ فَإِنَّهَا مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَسَيِّئَاتُ الْعَبْدِ مِنْ عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَدْلِهِ لَا لِمُجَرَّدِ قَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ. كَمَا يَقُولُهُ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا وَبَيَّنَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ: {وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ} وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ. وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرَّ لَمْ يُضَفْ إلَى اللَّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وَإِمَّا بِطَرِيقَةِ إضَافَتِهِ إلَى السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ كَقَوْلِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} وَقَدْ جَمَعَ فِي الْفَاتِحَةِ " الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ " فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَهَذَا عَامٌّ وَقَالَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فَحَذَفَ فَاعِلَ الْغَضَبِ. وَقَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَأَضَافَ الضَّلَالَ إلَى الْمَخْلُوقِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}