للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُ الْخَضِرِ: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى حَقَائِقِ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا إلَّا لِحِكْمَةِ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} وَقَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} فَالْمَخْلُوقُ بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ جُزْئِيٌّ لَيْسَ شَرًّا مَحْضًا بَلْ الشَّرُّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْخَيْرُ الْأَرْجَحُ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ وَإِنْ كَانَ شَرًّا لِمَنْ قَامَ بِهِ. وَظَنُّ الظَّانِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَطْلُوبَةَ التَّامَّةَ قَدْ تَحْصُلُ مَعَ عَدَمِهِ إنَّمَا يَقُولُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ وَارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ فَإِنَّ الْخَالِقَ إذَا خَلَقَ الشَّيْءَ فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ خَلْقِ أَضْدَادِهِ الَّتِي تُنَافِيهِ فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ شَيْءٌ؛ لَكِنَّ مُسَمَّى " الشَّيْءِ " مَا تُصُوِّرَ وُجُودُهُ فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ فَلَيْسَ شَيْئًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.