للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا كَمَا أَنَّ إزْهَاقَ الرُّوحِ هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَيُمْكِنُ طَلَبُهُ بِالْقَتْلِ وَحُصُولُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى فِي الْقَلْبِ هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَيُمْكِنُ طَلَبُهُ بِأَسْبَابِهِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَبِالدُّعَاءِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ بِسَبَبِ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُنَا طَلَبُ السَّبَبِ. جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ وَيُقَدِّرُهُ إنَّمَا يَخْلُقُهُ وَيُقَدِّرُهُ بِأَسْبَابِ؛ لَكِنْ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا يَخْرُجُ عَنْ قُدْرَةِ الْعَبْدِ؛ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهُ وَمِنْ الْأَسْبَابِ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ؛ وَمِنْهَا مَا لَا يَفْعَلُهُ. وَالْأَسْبَابُ مِنْهَا " مُعْتَادٌ " وَمِنْهَا " نَادِرٌ " فَإِنَّهُ فِي بَعْضِ الْأَعْوَامِ قَدْ يَمْسِكُ الْمَطَرَ وَيُغَذِّي الزَّرْعَ بِرِيحِ يُرْسِلُهَا وَكَمَا يَكْثُرُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّجُلُ الصَّالِحِ فَهُوَ أَيْضًا سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرِّزْقَ قَدْ يَأْتِي عَلَى أَيْدِي الْخَلْقِ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ جِنِّيٌّ أَوْ مَلَكٌ أَوْ بَعْضُ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ؛ وَهَذَا نَادِرٌ وَالْجُمْهُورُ إنَّمَا يُرْزَقُونَ بِوَاسِطَةِ بَنِي آدَمَ مِثْلَ أَكْثَرِ الَّذِينَ يَعْجِزُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ يُرْزَقُونَ عَلَى أَيْدِي مَنْ يُعْطِيهِمْ: إمَّا صَدَقَةً وَإِمَّا هَدِيَّةً؛ أَوْ نُذُرًا. وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي مَنْ يُيَسِّرُهُ لَهُمْ.