وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ الْمَعَادَيْنِ جَمِيعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِمَعَادِ الْأَرْوَاحِ الْعَالِمَةِ دُونَ الْجَاهِلَةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِمُعَلِّمِهِمْ الثَّانِي أَبِي نَصْرٍ الْفَارَابِيِّ. وَلَهُمْ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا فِيهِ إلَى الصَّوَابِ.
وَقَدْ أَضَلُّوا بِشُبُهَاتِهِمْ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمِلَلِ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ. فَإِذَا كَانَ مَا بِهِ تَحْصُلُ السَّعَادَةُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الشَّقَاوَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا كَانَ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالسِّيَاسَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} .
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ: فَالصَّوَابُ مِنْهَا مَنْفَعَتُهُ فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا " الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ " فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ مَا تَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ وَالسَّعَادَةُ بَلْ وَغَالِبُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْهُ لَيْسَ بِمُتَيَقَّنِ مَعْلُومٍ بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَسَاطِينُ الْفَلْسَفَةِ: أَنَّ الْعُلُومَ الْإِلَهِيَّةَ لَا سَبِيلَ فِيهَا إلَى الْيَقِينِ وَإِنَّمَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا بِالْأَحْرَى وَالْأَخْلَقِ؛ فَلَيْسَ مَعَهُمْ فِيهَا إلَّا الظَّنُّ {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وَلِهَذَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِلرُّسُلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ بَاهِرٌ حَتَّى قِيلَ مَرَّةً لِبَعْضِ الْأَشْيَاخِ الْكِبَارِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْكَلَامَ وَالْفَلْسَفَةَ وَالْحَدِيثَ وَغَيْرَ ذَلِكَ: مَا الْفَرْقُ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْفَلَاسِفَةِ؟ فَقَالَ: السَّيْفُ الْأَحْمَرُ. يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي يَسْلُكُ طَرِيقَتَهُمْ يُرِيدُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ مَا يَقُولُونَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ فَيَدْخُلُ مِنْ السَّفْسَطَةِ وَالْقَرْمَطَةِ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسَائِلِ إخْوَانِ الصَّفَا وَأَمْثَالُهُمْ. وَمِنْ هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute