للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضَلَّتْ الْقَرَامِطَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ وَمَنْ شَارَكَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ وَصْفُهُ لَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا ذِكْرُهُ. وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّ مُعَلِّمَهُمْ وَضَعَ مَنْطِقَهُمْ لِيَزِنَ بِهِ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَخُوضُونَ فِيهَا وَاَلَّتِي هِيَ قَلِيلَةُ الْمَنْفَعَةِ.

وَأَكْثَرُ مَنْفَعَتِهَا: إنَّمَا هِيَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَيْضًا. فَأَمَّا أَنْ يُوزَنَ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ مَا لَيْسَ مِنْ عُلُومِهِمْ وَمَا هُوَ فَوْقَ قَدْرِهِمْ أَوْ يُوزَنَ بِهَا مَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّعِيمَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ: فَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ هُوَ فِيهَا وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ؛ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ - فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ عِبَادَتِهِ؛ وَالْإِيمَانِ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ. فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةً وَإِرَادِيَّةً بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ. وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ