الرَّابِعُ: أَنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالذَّاتَ الْمُطْلَقَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ: إمَّا: أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِطْلَاقُ الْخَاصُّ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ. كَمَا يُقَالُ: الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْعَقْلِ وَالذِّهْنِ كَمَا أَنَّ الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ الْعَامَّ وَالذَّاتَ الْكُلِّيَّةَ الْعَامَّةَ؛ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ؛ وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لِلْحَقَائِقِ هَذَا الْعُمُومُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْقُولَةٌ فِي الْأَذْهَانِ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْأَعْيَانِ. فَكَيْفَ يَكُونُ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَشْرَفُهَا مَعْلُومَهُ هُوَ الْمُثُلُ الذِّهْنِيَّةُ لَا الْحَقَائِقُ الْوُجُودِيَّةُ وَالْمُثُلُ إنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِتِلْكَ وَإِلَّا لَكَانَتْ جَهْلًا لَا عِلْمًا؛ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِطْلَاقُ الْعَامُّ وَهُوَ مَا لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ حَتَّى عَنْ الْإِطْلَاقِ. فَالْمُطْلَقُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ. لَكِنْ لَا يُوجَدُ مُطْلَقًا لَا يُوجَدُ إلَّا مُعَيَّنًا فَإِمَّا مَوْجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَلَا وُجُودَ لَهُ وَهُوَ الْمُطْلَقُ الْخَاصُّ فَالْمُطْلَقُ الْعَامُّ لَمَّا كَانَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ صَحَّ أَنْ يُوجَدَ فِي الْخَارِجِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَلَوَاحِقُهُ لَيْسَ بِمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا وَلَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنٌ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى الْعُلُومِ. إنَّمَا وُجُودُ مَعْلُومِهِ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَلَوْ جَازَ تَرْجِيحُ الْعِلْمِ بِالْمُثُلِ الذِّهْنِيَّةِ عَلَى الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ: لَجَازَ تَرْجِيحُ الْمُثُلِ عَلَى الْحَقَائِقِ وَلَكَانَ الْعِلْمُ بِالرَّبِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ: أَفْضَلَ مِنْ ذَاتِ الرَّبِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute