للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَامِسُ: أَنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا أَتَوْا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ بَنَوْا أَمْرَهُمْ فِي عُلُومِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا بُدَّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ وَحَدٍّ أَوْسَطَ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمَوْصُوفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأُ الْمَوْضُوعُ. وَمَا مِنْ حَدٍّ وَقَضِيَّةٍ إلَّا وَثَمَّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فَأَعَمُّ مِنْهُ الْحَيَوَانُ فَأَعَمُّ مِنْهُ الْجِسْمُ النَّامِي فَأَعَمُّ مِنْهُ الْجِسْمُ السُّفْلِيُّ فَأَعَمُّ مِنْهُ الْجِسْمُ فَأَعَمُّ مِنْهُ الْجَوْهَرُ فَأَعَمُّ مِنْهُ الْمَوْجُودُ سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا ذَاتِيًّا كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ أَوْ وَصْفًا عَرَضِيًّا كَمَا يَقُولُهُ الْحُذَّاقُ. فَلَوْ قِيلَ أَعْلَى الْعُلُومِ الْقِيَاسِيَّةِ: الْعُلُومُ بِالْمَوْجُودِ وَلَوَاحِقِهِ؛ لِكَوْنِ مَعْلُومِهِ أَعَمَّ الْمَوْضُوعَاتِ: لَكَانَ لَهُ مَسَاغٌ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ. لَكِنَّ الْعِلْمَ الْقِيَاسِيَّ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ نَظِيرٌ مُمَاثِلٌ فَيُعْرَفُ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِقِيَاسِهِ عَلَى نَظِيرِهِ وَهَذَا الْقَدْرُ مُنْتَفٍ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ، لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ وَنَظِيرُهُ، ثُمَّ قَدْ عَارَضَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ وَالْمَذْكُورُ فَقَالُوا: أَعْلَى الْمَعْلُومِ وَأَعَمُّ الْأَسْمَاءِ وَالْحُدُودِ: الْمَعْلُومُ وَالْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ وَالْمَعْدُومُ بِنَوْعَيْ الْوُجُودِ: وَاجِبُهُ وَمُمْكِنُهُ وَنَوْعَيْ الْمَعْدُومِ مُمْكِنِهِ وَمُمْتَنِعِهِ؛ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْعِلْمُ الْأَعْلَى النَّاظِرُ فِي الْمَعْلُومِ وَلَوَاحِقُهُ وَهَذَا أَعَمُّ وَأَوْسَعُ وَكَوْنُ الشَّيْءِ مَعْلُومًا أَمْرٌ يَعْرِضُ لَهُ؛ لَا صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ؛ وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مَوْجُودًا إذْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ: كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَجِدُهُ الْوَاجِدُ هَذَا مُقْتَضَى الِاسْمِ: