وَإِنْ عَنَى بِهِ بَعْضُهُمْ كَوْنَهُ حَقًّا فِي نَفْسِهِ فَهَذَا لَيْسَ هُوَ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ هُوَ كَمَا قَدْ قُرِّرَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَوْ الْمُتَكَلِّمَةِ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّبِّ هِيَ وُجُودُهُ أَوْ وُجُوبُ وُجُودِهِ أَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا حَقِيقَتَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ خَطَأً قَبِيحًا وَأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ حَقِيقَةُ سَائِرِ الْكَائِنَاتِ كَوْنُهَا مُمْكِنَةً وَهَؤُلَاءِ بُعَدَاءُ عَنْ اللَّهِ مَحْجُوبُونَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُ إلَّا صِفَةً كُلِّيَّةً مِنْ صِفَاتِهِ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ عَرَفُوا حَقِيقَتَهُ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ الْعِلْمُ الْأَعْلَى هُوَ عِلْمُ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ وَهُوَ النَّاظِرُ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ؛ فَإِنَّمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْلَى فِي ذِهْنِ الطَّالِبِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى خَلْقِهِ؛ لَا أَنَّهُ أَعْلَى فِي نَفْسِهِ؛ وَلَا أَنَّ مَعْلُومَهُ أَعْلَى وَلَا أَعْلَى عِنْدَ مَنْ عَرَفَ حَقَائِقَ الْمَوْجُودَاتِ وَلَا أَعْلَى عِنْدَ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِالْفِطْرَةِ؛ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالشِّرْعَةِ؛ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالْوِلَايَةِ؛ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ؛ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالرِّسَالَةِ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالْكَلَامِ؛ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَفَهُ بِالرُّؤْيَةِ. فَلَمَّا كَانَ مُنْتَهَى الْفَلَاسِفَةِ الصابئية وَأَعْلَى عِلْمِهِمْ: هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَكَانَ أَصْلُ التَّجَهُّمِ وَتَعْطِيلِ صِفَاتِ الرَّبِّ إنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الصَّابِئَةِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ فِي الْأَصْلِ جهمية وَأَنَّهُ بِمَا فِيهِمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ - الْمُشَارِكَةِ لِلصَّابِئَةِ صَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصَّابِئَةِ نَسَبٌ - صَارَ مَعْبُودُهُمْ وَإِلَهُهُمْ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute