للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَقٌّ كَاَلَّذِي كُشِفَ لَهُ أَنَّ الزُّهْرَةَ فَوْقَ عُطَارِدَ وَاَلَّذِي كُشِفَ لَهُ أَنَّهَا تَحْتَ عُطَارِدَ فَقَالَ هِيَ مِنْ كَشْفِ هَذَا فَوْقَ عُطَارِدَ وَفِي كَشْفِ هَذَا تَحْتَ عُطَارِدَ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ؛ فَجَعَلُوا الْحَقَائِقَ الثَّابِتَةَ تَتَّبِعُ الْكَشْفَ وَالِاعْتِقَادَ وَالْقَوْلَ. [وَلِهَذَا يَقُولُونَ سِرْ حَيْثُ شِئْت فَإِنَّ اللَّهَ ثَمَّ وَقُلْ مَا شِئْت فِيهِ فَإِنَّ الْوَاسِعَ اللَّهُ] (*). وَمَضْمُونُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ: يَقُولُ مَا شَاءَ وَيَعْتَقِدُ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَصَادِقٍ وَكَاذِبٍ وَأَنَّهُ لَا يُنْكَرُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ وَهَكَذَا يَقُولُونَ. هَذَا مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّ مُحَقِّقَهُمْ يَقُولُ: مَا عِنْدَنَا حَرَامٌ؛ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ فَمَا عِنْدَهُمْ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ كَمَا قَالَ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ تِلْمِيذُ صَاحِبِ الْفُصُوصِ فِيمَا أَنْشَدَنِيهِ الشَّاهِدُ ابْنُ عَمَدَ الْمُلَقَّب بعرعيه (١):

مَا الْأَمْرُ إلَّا نَسَقٌ وَاحِدٌ … مَا فِيهِ مِنْ حَمْدٍ وَلَا ذَمٍّ

وَإِنَّمَا الْعَادَةُ قَدْ خَصَّصَتْ … وَالطَّبْعُ وَالشَّارِعُ بِالْحُكْمِ

وَحِينَئِذٍ فَمَا يَبْقَى لِلْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا مُجَرَّدُ الْقُدْرَةِ؛ وَلِهَذَا هُمْ يَمْشُونَ مَعَ الْكَوْنِ دَائِمًا فَأَيُّ شَيْءٍ وُجِدَ وَكَانَ: كَانَ عِنْدَهُمْ حَقًّا؛ فَالْحَلَالُ مَا وَجَدْته وَحَلَّ بِيَدِك وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمْته وَالْحَقُّ مَا قُلْته كَائِنًا مَا كَانَ وَالْبَاطِلُ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ. وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ المباحية الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَجْرُونَ مَعَ مَحْضِ الْقَدَرِ. فَإِنَّ أُولَئِكَ يُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَهَؤُلَاءِ


(١) هكذا أحرف الأصل
(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢١):
وهذا بيت شعر على بحر البسيط، وقد رسم هكذا في المجموع، وصواب الرسم:
(ولهذا يقولون:
سر حيث شئت فإن الله ثمّ وقل … ما شئت فيه فإن الواسع الله