عَطَّلُوا أَيْضًا الصَّانِعَ وَالرِّسَالَةَ وَالْحَقَائِقَ كُلَّهَا وَجَعَلُوا الْحَقَائِقَ بِحَسَبِ مَا يُكْشَفُ لِلْإِنْسَانِ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِلْحَقَائِقِ فِي أَنْفُسِهَا حَقَائِقَ تَتَحَقَّقُ بِهِ يَكُونُ ثَابِتًا وَبِنَقِيضِهِ مُنْتَفِيًا؛ بَلْ هَذَا عِنْدَهُمْ يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ: أَلَّا تَقِفَ مَعَ مُعْتَقَدٍ بَلْ تَعْتَقِدُ جَمِيعَ مَا اعْتَقَدَهُ النَّاسُ فَإِنْ كَانَتْ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَإِنَّ الْوُجُودَ يَسَعُ هَذَا كُلَّهُ وَوَحْدَةُ الْوُجُودِ تَسَعُ هَذَا كُلَّهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوُجُودَ إنَّمَا يَسَعُ وُجُودَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ لَا يَسَعُ تَحَقُّقَ الْمُعْتَقَدَاتِ فِي أَنْفُسِهَا وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ الْبَاطِلَ. وَالْقَوْلَ الْكَاذِبَ: هُوَ مَوْجُودٌ دَاخِلٌ فِي الْوُجُودِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَصِدْقًا فَإِنَّ الْحَقَّ وَالصِّدْقَ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَقْوَالِ الْخَبَرِيَّةِ لَا يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ وُجُودِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَكُلُّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ حَقِّهَا وَصِدْقِهَا: هِيَ عِنْدَهُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَصِدْقٍ وَكَذِبٍ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا حَقًّا وَصِدْقًا: كَوْنُهَا مُطَابِقَةً لِلْخَبَرِ أَوْ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ ثُمَّ قَدْ تَكُونُ مُطَابِقَةً فِي اعْتِقَادِ الْقَائِلِ دُونَ الْخَارِجِ؛ وَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ. وَقَدْ يُسَمَّى كَذِبًا وَقَدْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ} وَقَوْلُهُ: {كَذَبَ مَنْ قَالَهَا إنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ إنَّهُ لَجَاهِدٌ} مُجَاهِدٌ وَقَوْلُ عبادة: كَذِبٌ أَبُوكُمْ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَذَبَ نَوْفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute