وَهَذَا " الْفَنَاءُ " لَا يُنَافِيهِ الْبَقَاءُ؛ بَلْ يَجْتَمِعُ هُوَ وَالْبَقَاءُ فَيَكُونُ الْعَبْدُ فَانِيًا عَنْ إرَادَةِ مَا سِوَاهُ وَإِنْ كَانَ شَاعِرًا بِاَللَّهِ وَبِالسِّوَى وَتَرْجَمَتُهُ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ} وَهَذَا فِي " الْجُمْلَةِ " هُوَ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) : فَنَاءُ الْقَلْبِ عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى الرَّبِّ فَذَاكَ فَنَاءٌ عَنْ الْإِرَادَةِ وَهَذَا فَنَاءٌ عَنْ الشَّهَادَةِ. ذَاكَ فَنَاءٌ عَنْ عِبَادَةِ الْغَيْرِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَهَذَا فَنَاءٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْغَيْرِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ، فَهَذَا الْفَنَاءُ فِيهِ نَقْصٌ؛ فَإِنَّ شُهُودَ الْحَقَائِقِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ شُهُودُ الرَّبِّ مُدَبِّرًا لِعِبَادِهِ آمِرًا بِشَرَائِعِهِ أَكْمَلُ مِنْ شُهُودِ وُجُودِهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ وَالْفَنَاءُ بِذَلِكَ عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ أَكْمَلَ شُهُودًا مِنْ أَنْ يَنْقُصَهُمْ شُهُودٌ لِلْحَقِّ مُجْمَلًا عَنْ شُهُودِهِ مُفَصَّلًا وَلَكِنْ عَرَضَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا لِكَثِيرِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. كَمَا عَرَضَ لَهُمْ عِنْدَ تَجَلِّي بَعْضِ الْحَقَائِقِ: الْمَوْتُ وَالْغَشْيُ وَالصِّيَاحُ وَالِاضْطِرَابُ وَذَلِكَ لِضَعْفِ الْقَلْبِ عَنْ شُهُودِ الْحَقَائِقِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَعَنْ شُهُودِ التَّفْرِقَةِ فِي الْجَمْعِ، وَالْكَثْرَةِ فِي الْوَحْدَةِ حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ ذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سِوَى ذَلِكَ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْخَلْقَ أَوْ الْأَمْرَ اشْتَغَلَ عَنْ الْخَالِقِ الْآمِرِ. وَإِذَا عُورِضَ بِالنَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute