حَيًّا - فَإِنَّهُ مَعَ رَبِّهِ: كَالْمَيِّتِ مَعَ الْغَاسِلِ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ فِعْلٌ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ لَمْ يَقْوَ الْعَبْدُ عَلَى الْقِيَامِ بِالتَّكْلِيفِ: لَمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ. فَالْفِعْلُ لِلَّهِ حَقِيقَةً. وَلِلْعَبْدِ مَجَازًا وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ؛ أَيْ لَا حَوْلَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ: إلَّا بِاَللَّهِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ عَلَيْهِ تَكْلِيفٌ لِأَنَّهُ لَا مُكَلِّفَ لَهُ وَالْعَبْدُ لَيْسَ يَقُومُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِاَللَّهِ وَالتَّكْلِيفُ حَقٌّ. فَتَعَجَّبَ الْقَائِلُ عِنْدَ شُهُودِهِ لِهَذِهِ الْحَالِ وَحَارَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَأَنَّهُ عَلَى الْعَبْدِ حَقٌّ فَمَا يَنْبَغِي لِعَاقِلِ أَنْ يَقَعَ فِيمَنْ لَا يُفْهَمُ كَلَامُهُ بَلْ التَّقْصِيرُ مِنْ الْفَهْمِ الْقَصِيرِ فَمَعَ أَيِّهِمَا الْحَقُّ؟
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ
فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، كَلَامُ هَذَا الثَّانِي كَلَامٌ بَاطِلٌ وَخَوْضٌ فِيمَا لَمْ يَحُطْ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ وَلَا هُوَ عَارِفٌ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَصْلُهُ الَّذِي تَفَرَّعَ مِنْهُ هَذَا الشِّعْرُ وَغَيْرُهُ وَلَا هُوَ أَخْذٌ بِمُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ وَمَدْلُولِهِ.
فَأَمَّا أَصْلُ ابْنِ عَرَبِيٍّ فَهُوَ أَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ هُوَ عَيْنُ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَأَعْيَانُ الْمَعْدُومَاتِ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ وَوُجُودُ الْحَقِّ قَاضٍ عَلَيْهَا فَوُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ وُجُودِ الْحَقِّ عِنْدَهُ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute