للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا قَالَ: وَلَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي مَنْصِبِ التَّحَكُّمِ صَاحِبَ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بِالسَّيْفِ وَإِنْ جَارَ فِي الْعُرْفِ الناموسي لِذَلِكَ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ أَرْبَابًا بِنِسْبَةِ مَا فَأَنَا الْأَعْلَى مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيته فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْحُكْمِ فِيكُمْ وَلَمَّا عَلِمَتْ السَّحَرَةُ صِدْقَهُ فِيمَا قَالَ: لَمْ يُنْكِرُوهُ وَأَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ. فَقَالُوا لَهُ: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} وَالدَّوْلَةُ لَك فَصَحَّ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وَإِنْ كَانَ عَيْنَ الْحَقِّ. قَالَ: وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْعَلِيُّ؛ عَلَى مَنْ وَمَا ثَمَّ إلَّا هُوَ؛ وَعَنْ مَاذَا وَمَا هُوَ إلَّا هُوَ. إلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ عَرَفَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَعْدَادِ وَأَنَّ نَفْيَهَا عَيْنُ إثْبَاتِهَا عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ هُوَ الْخَلْقُ الْمُشَبَّهُ فَالْآمِرُ الْخَالِقُ الْمَخْلُوقُ وَالْأَمْرُ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ لَا بَلْ هُوَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَقَّ يَظْهَرُ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ؟ فَكُلُّ صِفَاتِ الْحَقِّ حَقٌّ لَهُ كَمَا أَنَّ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ حَقٌّ لِلْخَالِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِي كَلَامِهِ وَهَذَا الرَّجُلُ لَهُ تَرْتِيبٌ فِي سُلُوكِهِ مِنْ جِنْسِ تَرْتِيبِ الْمَلَاحِدَةِ الْقَرَامِطَةِ. فَأَوَّلُ مَا يَظْهَرُ اعْتِقَادُ مُعْتَزِلَةِ الْكُلَّابِيَة الَّذِينَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ وَيُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ السَّبْعَةَ أَوْ الثَّمَانِيَةَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِقَادَ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيُثْبِتُونَ وُجُودًا وَاجِبًا مُجَرَّدًا صَدَرَتْ عَنْهُ الْمُمْكِنَاتُ.