للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يُجْعَلُ هَذَا الْوُجُودُ هُوَ وُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ فَلَيْسَ عِنْدَهُ وُجُودَانِ: أَحَدُهُمَا وَاجِبٌ وَالْآخَرُ مُمْكِنٌ. وَلَا أَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخَرُ مَخْلُوقٌ؛ بَلْ عَيْنُ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ هُوَ عَيْنُ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَرَاتِبِ وَالْمَرَاتِبُ عِنْدَهُ هِيَ الْأَعْيَانُ الثَّابِتَةُ فِي الْعَدَمِ عَلَى زَعْمِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْمَعْدُومَ شَيْئًا ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ عَنْ الذِّهْنِ: فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ. لَكِنَّ أُولَئِكَ يَقُولُونَ: إنَّ الْخَالِقَ جَعَلَ لِهَذِهِ الْأَعْيَانِ وُجُودًا مَخْلُوقًا وَابْنُ عَرَبِيٍّ يَقُولُ: بَلْ نَفْسُ وُجُودِهِ فَاضَ عَلَيْهَا فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فِي وُجُودِهِ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى ثُبُوتِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: فَيَعْبُدُنِي وَأَعْبُدُهُ وَيَحْمَدُنِي وَأَحْمَدُهُ؛ وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُ فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يَكُونُ مِنْ مُكَلَّفٍ لِمُكَلَّفِ؛ أَحَدُهُمَا آمِرًا وَالْآخَرُ مَأْمُورًا فَامْتَنَعَ التَّكْلِيفُ. وَلِهَذَا مِثْلُ مَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ وَالسَّمْعِ: بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ} فَلَمَّا كَانَ الْمُحَدِّثُ هُنَا هُوَ الْمُحَدَّثَ: جَعَلَ هَذَا مَثَلًا لِوُجُودِ الرَّبِّ فَعِنْدَهُ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمُسْتَمِعُ. وَلِهَذَا يَقُولُ: إنْ قُلْت عَبْدٌ فَذَاكَ مَيْتٌ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَأَيْته بِخَطِّهِ.