قَدْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْصُلُ لِلْأَنْبِيَاءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا حَصَلَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَأَبُو حَامِدٍ يُكْثِرُ مِنْ مَدْحِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي " الْإِحْيَاءِ " وَغَيْرِهِ كَمَا أَنَّهُ يُبَالِغُ فِي مَدْحِ الزُّهْدِ وَهَذَا مِنْ بَقَايَا الْفَلْسَفَةِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ يَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الْعِلْمِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ فَإِذَا تَفَرَّغَ صَفَا قَلْبُهُ - عِنْدَهُمْ - وَفَاضَ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ جِنْسِ مَا فَاضَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّمَ مِنْ سَمَاءِ عَقْلِهِ؛ لَمْ يَسْمَعْ الْكَلَامَ مِنْ خَارِجٍ فَلِهَذَا يَقُولُونَ إنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِمُوسَى وَأَعْظَمُ مِمَّا حَصَلَ لِمُوسَى. وأَبُو حَامِدٍ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ الْخِطَابَ كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ هُوَ بِالْخِطَابِ وَهَذَا كُلُّهُ لِنَقْصِ إيمَانِهِمْ بِالرُّسُلِ وَأَنَّهُمْ آمَنُوا بِبَعْضِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي يُسَمُّونَهُ " الْعَقْلَ الْفَعَّالَ " بَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
الثَّانِي: أَنَّ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ يَكُونُ تَارَةً بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute