للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ. بَلْ الرَّبُّ هُوَ الْخَالِقُ الْفَاعِلُ لِكُلِّ مَا قَامَ بِهِ وَأَنَّ كَمَالَ هَذَا الشُّهُودِ لَا يُبْقِي شَيْئًا مِنْ الْعَجَبِ وَلَا الْكِبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَكِلَاهُمَا قَائِمٌ بِالْأَمْرِ مُطِيعٌ لِلَّهِ لَكِنْ هَذَا يَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ مُسْلِمًا مُصَلِّيًا وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، وَذَاكَ وَإِنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَذَا وَيُصَدِّقُ بِهِ إذْ كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ؛ لَكِنْ قَدْ لَا يَشْهَدُهُ شُهُودًا يَجْعَلُهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ. وَأَيْضًا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ: وَهِيَ أَنَّ الْأَوَّلَ تَكُونُ لَهُ إرَادَةٌ وَهِمَّةٌ فِي أُمُورٍ فَيَتْرُكُهَا فَهُوَ يُمَيِّزُ فِي مُرَادَاتِهِ بَيْنَمَا يُؤْمَرُ بِهِ وَمَا يُنْهَى عَنْهُ وَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مُرَادٌ أَصْلًا إلَّا مَا أَرَادَهُ الرَّبُّ إمَّا أَمْرًا بِهِ فَيَمْتَثِلُهُ هُوَ بِاَللَّهِ وَإِمَّا فِعْلًا فِيهِ فَيَفْعَلُهُ اللَّهُ بِهِ وَلِهَذَا شَبَّهَهُ بِالطِّفْلِ مَعَ الظِّئْرِ فِي غَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَأَمَّا (الْأَوَّلُ: الَّذِي هُوَ فِي مَقَامِ التَّقْوَى الْعَامَّةِ فَإِنَّ لَهُ شَهَوَاتٍ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَلَهُ الْتِفَاتٌ إلَى الْخَلْقِ وَلَهُ رُؤْيَةُ نَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُجَاهَدَةِ بِالتَّقْوَى بِأَنْ يَكُفَّ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَعَنْ تَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ فَهَذَا يَحْتَاجُ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ وَمَا لَا يَفْعَلُهُ وَهُوَ التَّقْوَى وَصَاحِبُ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَقَطْ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ فِي الشَّرْعِ وَمَا كَانَ مُبَاحًا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ.