للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ إنَّ هَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَصْدُ؛ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ يَقْصِدُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْمُبَاحِ لِيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَ مِثْلُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِالنَّظَرِ إلَى امْرَأَتِهِ وَوَطْئِهَا لِيَدَعَ بِذَلِكَ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَوَطْئِهَا أَوْ يَأْكُلُ طَعَامًا حَلَالًا لِيَشْتَغِلَ بِهِ عَنْ الطَّعَامِ الْحَرَامِ فَهَذَا يُثَابُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ وَالْفِعْلِ؛ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: " {وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَمَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَلِمَ تَحْتَسِبُونَ بِالْحَرَامِ وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْحَلَالِ} " وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخْصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ} " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَة فِي صَحِيحِهِ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُبَاحُ يَصِيرُ وَاجِبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا صَارَ وَاجِبًا مُعَيَّنًا وَإِلَّا كَانَ وَاجِبًا مُخَيَّرًا لَكِنْ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ إمَّا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا أَصْلًا إلَّا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ إلَى التَّرْكِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ. فَكَذَلِكَ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ هُوَ مُبَاحٌ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمُخَيَّرَاتِ مِنْ جِهَةِ الْوَسِيلَةِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ. فَالنِّزَاعُ فِي هَذَا الْبَابِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ. وَإِلَّا فَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ لَا يُنَازِعُ فِيهَا مَنْ فَهِمَهَا.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْأَبْرَارَ وَأَصْحَابَ الْيَمِينِ قَدْ يَشْتَغِلُونَ بِمُبَاحِ