وَيُضِلُّ آخَرِينَ فَإِنَّ الْهُدَى وَالضَّلَالَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبَيَانِ. كَمَا قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وَقَالَ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} فَتَكُونُ (سُنَنَ) مُتَعَلِّقًا بيبين يَعْنِي: سُنَنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَا بيهدي، وَأَهْلُ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَيَهْدِيَكُمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السُّنَنُ الطُّرُقُ فَالْمَعْنَى يَدُلُّكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ كَمَا دَلَّ الْأَنْبِيَاءَ وَتَابِعِيهِمْ وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَدِّمُ فِعْلَيْنِ فَلَا يَجْعَلُ الْأَوَّلَ هُوَ الْعَامِلُ وَحْدَهُ؛ بَلْ الْعَامِلُ إمَّا الثَّانِي وَحْدَهُ وَإِمَّا الِاثْنَانِ كَقَوْلِهِ: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أَوْ إذَا أُرِيدَ هَذَا التَّقْدِيرُ: يُبَيِّنُ لَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَهْدِيكُمْ سُنَنًا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَهْدِينَا سُنَنَهُمْ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سُنَنُ أَهْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَهَا: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فَإِنَّهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ عُقُوبَةِ الظَّالِمِينَ بِالْعِيَانِ وَهُنَا فَأَنْزَلَ عَلَيْنَا مِنْ الْقُرْآنِ مَا يَهْدِينَا بِهِ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَهُمْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: " التَّبْيِينَ " وَ " الْهُدَى " وَ " التَّوْبَةَ "؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلًا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمَا أُمِرَ بِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ ثُمَّ يَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute