للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَدَاهُمْ اللَّهُ إلَى طَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَيَهْدِيَهُمْ فَاهْتَدَوْا وَلَوْلَا إرَادَتُهُ لَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَهْتَدُوا كَمَا قَالُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} . لَكِنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْخِطَابِ بِآيَةِ الْوُضُوءِ. وَالْخِطَابُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ بِقَوْلِهِ: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} وَلِهَذَا يُهَدِّدُ مَنْ لَمْ يُطِعْهُ. وَكَمَا فِي الصِّيَامِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . فَهَذِهِ إرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَمْرِيَّةٌ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا؛ لَا إرَادَةُ الْخَلْقِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْمُرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ خِطَابًا إلَّا لِمَنْ أَخَذَ بِالْيُسْرِ وَلِمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَكَانَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الَّذِي فِي الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَمَنْ أَطَاعَ أُثِيبَ وَمَنْ عَصَى عُوقِبَ وَاَلَّذِينَ أَطَاعُوهُ إنَّمَا أَطَاعُوهُ بِهُدَاهُ لَهُمْ: هُدَى الْإِلْهَامِ وَالْإِعَانَةِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ مُهْتَدِينَ. كَمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُصَلِّيَ مُصَلِّيًا وَالْمُسْلِمَ مُسْلِمًا. وَلَوْ كَانَتْ الْإِرَادَةُ هُنَا مِنْ الْإِنْسَانِ مُسْتَلْزِمَةً لِوُقُوعِ الْمُرَادِ لَمْ يُقَلْ: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَأْثِيرَ لِإِرَادَةِ هَؤُلَاءِ بَلْ وَجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ. كَمَا فِي قَوْلِ نُوحٍ {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ