وَافَقُوا هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ إلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي يَتَنَعَّمُ بِهَا الْمَخْلُوقُ؛ وَلَكِنْ وَافَقُوا السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ عَلَى إثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ وَالتَّنَعُّمِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَأَصَابُوا فِي ذَلِكَ وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ هَذَا النَّعِيمَ وَتَسْمُو إلَيْهِ هِمَّتُهُمْ وَيَخَافُونَ فَوْتَهُ وَصَارَ أَحَدُهُمْ يَقُولُ: مَا عَبَدْتُك شَوْقًا إلَى جَنَّتِك أَوْ خَوْفًا مِنْ نَارِك وَلَكِنْ لِأَنْظُرَ إلَيْك وَإِجْلَالًا لَك. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ. مَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ: هُوَ أَعْلَى مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْمَخْلُوقِ لَكِنْ غَلِطُوا فِي إخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ الْجَنَّةِ. وَقَدْ يَغْلَطُونَ أَيْضًا فِي ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِلَا حَظٍّ وَلَا إرَادَةٍ وَأَنَّ كُلَّ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ فَهُوَ حَظُّ النَّفْسِ. وَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْبَشَرَ يَعْمَلُ بِلَا إرَادَةٍ وَلَا مَطْلُوبٍ وَلَا مَحْبُوبٍ وَهُوَ سُوءُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ وَالْآخِرَةِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هِمَّةَ أَحَدِهِمْ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَطْلُوبِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَمَعْبُودِهِ تُفْنِيهِ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَشْعُرَ بِنَفْسِهِ وَإِرَادَتِهَا فَيَظُنُّ أَنَّهُ يَفْعَلُ لِغَيْرِ مُرَادِهِ وَاَلَّذِي طُلِبَ وَعَلِقَ بِهِ هِمَّتُهُ غَايَةُ مُرَادِهِ وَمَطْلُوبِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَهَذَا كَحَالِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّالِحِينَ وَالصَّادِقِينَ وَأَرْبَابِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ وَجْدٌ صَحِيحٌ وَذَوْقٌ سَلِيمٌ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ عِبَارَةٌ تُبَيِّنُ كَلَامَهُ فَيَقَعُ فِي كَلَامِهِ غَلَطٌ وَسُوءُ أَدَبٍ مَعَ صِحَّةِ مَقْصُودِهِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ فِي مُرَادِهِ وَاعْتِقَادِهِ. فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ: إذَا عَنَوْا بِهِ طَلَبَ رُؤْيَةِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute