الطَّلَبَ وَالْحُبَّ وَالْإِرَادَةَ فَرْعٌ عَنْ الشُّعُورِ وَالْإِحْسَاسِ وَالتَّصَوُّرِ فَمَا لَا يَتَصَوَّرُهُ الْإِنْسَانُ وَلَا يُحِسُّهُ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَطْلُبَهُ وَيُحِبَّهُ وَيُرِيدَهُ فَالْجَنَّةُ فِيهَا هَذَا وَهَذَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} وَقَالَ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} فَفِيهَا مَا يَشْتَهُونَ وَفِيهَا مَزِيدٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ لِيَشْتَهُوهُ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ} وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ " الْمُقَدِّمَةَ " فَقَوْلُ الْقَائِلِ: الرِّضَا أَلَّا تَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَلَا تَسْتَعِيذَهُ مِنْ النَّارِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَلَّا تَسْأَلَ اللَّهَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجَنَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا تَسْأَلْهُ النَّظَرَ إلَيْهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّك لَا تَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ احْتِجَاجِهِ عَنْك وَلَا مِنْ تَعْذِيبِك فِي النَّارِ. فَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَائِر الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ فَاسِدٌ فِي صَرِيحِ الْعُقُولِ. وَذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا الَّذِي لَا يُسْأَلُ إنَّمَا لَا يَسْأَلُهُ لِرِضَاهُ عَنْ اللَّهِ. وَرِضَاهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ. وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ رِضًا عَنْ اللَّهِ وَلَا مَحَبَّةٌ لِلَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَرْضَى أَلَّا يَرْضَى وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَقُولُ وَلَا عَقَلَهُ. يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّاضِيَ إنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى احْتِمَالِ الْمَكَارِهِ وَالْآلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute