للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا يَجِدُهُ مِنْ لَذَّةِ الرِّضَا وَحَلَاوَتِهِ. فَإِذَا فَقَدَ تِلْكَ الْحَلَاوَةَ وَاللَّذَّةَ امْتَنَعَ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَلَمًا وَمَرَارَةً فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ حَلَاوَةِ الرِّضَا مَا يَحْمِلُ بِهِ مَرَارَةَ الْمَكَارِهِ؟ وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ السَّكْرَانِ وَالْفَانِي الَّذِي وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَلَاوَةَ الرِّضَا فَظَنَّ أَنَّ هَذَا يَبْقَى مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ مِنْهُ: كَغَلَطِ سمنون كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَسْأَلَ التَّمَتُّعَ بِالْمَخْلُوقِ بَلْ يَسْأَلُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ غَلِطَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَعْلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَيْضًا أَثْبَتَ أَنَّهُ طَالِبٌ مَعَ كَوْنِهِ رَاضِيًا فَإِذَا كَانَ الرِّضَا لَا يُنَافِي هَذَا الطَّلَبَ فَلَا يُنَافِي طَلَبًا آخَرَ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَطْلُوبِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَمَتُّعَهُ بِالنَّظَرِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِسَلَامَتِهِ مِنْ النَّارِ وَبِتَنَعُّمِهِ مِنْ الْجَنَّةِ بِمَا هُوَ دُونَ النَّظَرِ. وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ؛ فَيَكُونُ طَلَبُهُ لِلنَّظَرِ طَلَبًا لِلَوَازِمِهِ الَّتِي مِنْهَا النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ فَيَكُونُ رِضَاهُ لَا يُنَافِي طَلَبَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ وَلَا طَلَبَ حُصُولِ الْجَنَّةِ وَدَفْعِ النَّارِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ النَّظَرِ فَتَبَيَّنَ تَنَاقُضُ قَوْلِهِ.