وَصَفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فَهُوَ مُصِرٌّ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْعَوْدُ إلَى شُرْبِهَا. قُلْت: وَاَلَّذِي قَدْ تَرَكَ الْمَعَاصِيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْعَوْدُ إلَيْهَا فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ مُصِرٌّ أَيْضًا. لَكِنَّ نِيَّتَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا غَيْرُ النِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ فَإِذَا قَدَرَ قَدْ تَبْقَى نِيَّتُهُ وَقَدْ لَا تَبْقَى وَلَكِنْ مَتَى كَانَ مُرِيدًا إرَادَةً جَازِمَةً لَا يَمْنَعُهُ إلَّا الْعَجْزُ فَهُوَ مُعَاقَبٌ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِإِرَادَتِهِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِعْلِ مَعَهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا يَذْكُرُ عَنْ الْحَارِثِ المحاسبي أَنَّهُ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النَّاوِيَ لِلْفِعْلِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ لَهُ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّ النَّاوِيَ لِلْفِعْلِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ وَأَمَا النَّاوِي الْجَازِمُ الْآتِي بِمَا يُمْكِنُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ التَّامِّ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي الْقُرْآنِ رَتَّبَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} وَقَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلَّا النَّارُ} وَقَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute