للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوْجُودَةٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ كَمَا أَثْبَتَ أَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ " الْأَمْثَالَ الأفلاطونية الْمُجَرَّدَةَ " أَثْبَتُوا هَيُولَى مُجَرَّدَةً عَنْ الصُّورَةِ وَمُدَّةً وَخَلَاءً مُجَرَّدَيْنِ وَقَدْ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ؛ فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا أَنْ يُثْبِتَ أَمْرَ النُّبُوَّاتِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا خَصَائِصُ ثَلَاثَةً مَنْ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيٌّ.

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عِلْمِيَّةٌ يُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ يَنَالُ بِهَا مِنْ الْعِلْمِ بِلَا تَعَلُّمٍ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ تُخَيِّلُ لَهُ مَا يَعْقِلُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَرَى فِي نَفْسِهِ صُوَرًا أَوْ يَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا كَمَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَيَسْمَعُهُ وَلَا يَكُونُ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ فَعَّالَةٌ يُؤَثِّرُ بِهَا فِي هَيُولَى الْعَالَمِ وَجَعَلُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَارِقِ السَّحَرَةِ هِيَ قُوَى النَّفْسِ فَأَقَرُّوا مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ مِنْ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً دُونَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وُجُودَ هَذَا.