للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُسْلِمُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ لَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمَهُ بِهَا مِنْهَا: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ مِنْ وُجُوهٍ انْتَظَمَتْ الْبَرَاهِينُ الْمَذْكُورَةُ لِأَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهِمْ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ خَالِقٌ لَهَا وَالْخَلْقُ هُوَ الْإِبْدَاعُ بِتَقْدِيرِ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَقْدِيرَهَا فِي الْعِلْمِ قَلَّ تَكَوُّنُهَا فِي الْخَارِجِ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ؛ وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِتَصَوُّرِ الْمُرَادِ وَالشُّعُورِ بِهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْهُ وَهُوَ سَبَبُهَا التَّامُّ وَالْعِلْمُ بِأَصْلِ الْأَمْرِ وَسَبَبُهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْفَرْعِ الْمُسَبِّبِ فَعِلْمُهُ بِنَفْسِهِ مُسْتَلْزِمٌ الْعِلْمَ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَطِيفٌ يُدْرِكُ الدَّقِيقَ؛ خَبِيرٌ يُدْرِكُ الْخَفِيَّ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ فَيَجِبُ وُجُودُ الْمُقْتَضَى لِوُجُودِ السَّبَبِ التَّامِّ فَهُوَ فِي عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ عَنْهَا كَمَا هُوَ غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ ثُمَّ إذَا رَأَى الْأَشْيَاءَ بَعْدَ وُجُودِهَا وَسَمِعَ كَلَامَ عِبَادِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا يُدْرِكُ مَا أَبْدَعَ وَمَا خَلَقَ وَمَا هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَمُحْتَاجٌ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ لَمْ يَحْتَجْ فِي عِلْمِهِ وَإِدْرَاكِهِ إلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ؛ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ اسْتَفَادَهُ مِنْ نَفْسِ الْأَشْيَاءِ الثَّابِتَةِ الْغَنِيَّةِ فِي ثُبُوتِهَا عَنْهُ.