وَأَمَّا جُحُودُ قُدْرَتِهِ: فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّبَّ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى تَجَلِّيهِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ الْغَنِيَّةِ عَنْهُ فَقُدْرَتُهُ مَحْدُودَةٌ بِهَا مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا مَعَ غِنَاهَا عَنْهُ وَثُبُوتُ حَقَائِقِهَا بِدُونِهِ؛ وَهَذَا عِنْدَهُ هُوَ السِّرُّ الَّذِي أَعْجَزَ اللَّهَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى غَيْرِ مَا خَلَقَ فَلَا يَقْدِرُ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي الْعَالَمِ ذَرَّةً وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ ذَرَّةً وَلَا يَزِيدُ فِي الْمَطَرِ قَطْرَةً وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ قَطْرَةً وَلَا يَزِيدُ فِي طُولِ الْإِنْسَانِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ وَلَا يُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا حَرَكَاتِهِ وَلَا سَكَنَاتِهِ وَلَا يَنْقُلُ حَجَرًا عَنْ مَقَرِّهِ وَلَا يُحَوِّلُ مَاءً عَنْ مَمَرِّهِ وَلَا يَهْدِي ضَالًّا وَلَا يُضِلُّ مُهْتَدِيًا وَلَا يُحَرِّكُ سَاكِنًا وَلَا يُسَكِّنُ مُتَحَرِّكًا؛ فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى مَا وُجِدَ لِأَنَّ مَا وُجِدَ فَعَيْنُهُ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ظُهُورِهِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ. وَهَذَا التَّجْهِيلُ وَالتَّعْجِيزُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ هُوَ سِرُّ الْقَدَرِ - وَإِنْ كَانَ قَدْ تَضَمَّنَ بَعْضَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ الضُّلَّالِ - فَفِيهِ مِنْ الْكُفْرِ مَا لَا يَرْضَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الضَّالِّينَ. فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ: يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُمْكِنٍ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يَجْعَلُونَ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ مُسْتَفَادًا مِنْ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا وَلَا أَنَّ خَلْقَهُ وَقُدْرَتَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنْوَاعًا مِنْ الْمُمْكِنَاتِ لَمْ يَخْلُقْهَا فَمَعْلُومُهُ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ أَوْسَعُ مِمَّا خَلَقَهُ وَلَا يَجْعَلُونَ الْمَانِعَ مِنْ أَنْ يَخْلُقَ غَيْرَ مَا خَلَقَ هُوَ كَوْنُ الْأَعْيَانِ الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ لَا تَقْبَلُ سِوَى هَذَا الْوُجُودِ؛ بَلْ يُمْكِنُ عِنْدَهُمْ وُجُودُهَا عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى هِيَ أَيْضًا مِنْ الْمُمْكِنِ الثَّابِتِ فِي الْعَدَمِ. فَلَا يُفْضِي قَوْلُهُمْ لَا إلَى تَجْهِيلٍ وَلَا إلَى تَعْجِيزٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ وَإِنَّمَا قَدْ يَقُولُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute