وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ وَالْجُهَّالِ: قَدْ يَحْتَجُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ {أَبِي هُرَيْرَةَ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِرَابَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْته فِيكُمْ؛ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْته لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْحُلْقُومَ} وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ؛ لَكِنَّ الْجِرَابَ الْآخَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ الَّذِي يُخْتَصُّ بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ. وَلَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يُخَصُّونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ - لَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُخَصُّ بِهِ - بَلْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْجِرَابِ أَحَادِيثُ الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمْ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْمَلَاحِمِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مَقْتَلُ عُثْمَانَ وَفِتْنَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ أَخْبَرَكُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ خَلِيفَتَكُمْ وَتَهْدِمُونَ الْبَيْتَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَقُلْتُمْ: كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّحْدِيثِ بِأَحَادِيثِ الْفِتَنِ قَبْلَ وُقُوعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ رُءُوسُ النَّاسِ وَعَوَامُّهُمْ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مَعْرُوفٌ لَكِنَّ السِّرَّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ: هُوَ مَعْرِفَتُهُ بِأَعْيَانِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَيُقَالُ: إنَّهُمْ كَانُوا هَمُّوا بِالْفَتْكِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُمْ فَأَخْبَرَ حُذَيْفَةَ بِأَعْيَانِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ لَا يُصَلِّي إلَّا عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْفِتَنَ وَأَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute