احْتَجُّوا بِهَا عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ وَعَجَزْتُمْ أَنْتُمْ مُعَاشِرَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعُكُمْ - مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ - عَنْهَا فَإِنَّهُمْ أَلْزَمُوكُمْ عَلَى أُصُولِكُمْ؛ إذْ قَدَّرْتُمْ ثُبُوتَ مَوْجُودٍ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا بَلْ يَمْتَنِعُ مِنْهُ فِي الْأَزَلِ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ مِنْهُ: مِنْ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ. فَقَالُوا: إذَا قَدَّرْنَا وُجُودَ هَذَا وَأَنَّهُ يَبْقَى دَائِمًا أَبَدًا لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَفَعَلَ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ أَوْجَبَ حُدُوثَ هَذَا الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ إمَّا حُدُوثُ قُدْرَةٍ أَوْ إرَادَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ. فَأَمَّا إذَا قُدِّرَ حَالُهُ فِيمَا لَا يَزَالُ كَحَالِهِ فِيمَا لَمْ يَزَلْ: امْتَنَعَ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ كَلَامٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ غَيْرُ فِعْلٍ. فَهَذِهِ حُجَّةُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَيْكُمْ؛ وَأَنْتُمْ لَمْ تُجِيبُوهُمْ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ أَوْ بِالْإِلْزَامِ " فَالْمُكَابَرَةُ " دَعْوَاكُمْ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا حُدُوثِ سَبَبٍ؛ بَلْ جَعَلْتُمْ نَفْسَ الْقُدْرَةِ أَوْ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ: تُخَصِّصُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَنْ الْمِثْلِ الْآخَرِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا مَعَ أَنَّ نِسْبَتَهَا إلَى جَمِيعِ الْمُتَمَاثِلَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ: فَهُوَ يَسُدُّ عَلَيْكُمْ طَرِيقَ " إثْبَاتِ الصَّانِعِ " فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ وَالْمُخَصَّصُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ وَالتَّرْجِيحُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ؛ إذَا كَانَ الْمُخَصِّصُ أَوْ الْمُرَجِّحُ مِنْ الْمُمَكَّنَاتِ أَوْ الْمُحْدَثَاتِ. وَأَمَّا " الْإِلْزَامُ " فَقَوْلُكُمْ إنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ لَازِمٌ لِلْفَلَاسِفَةِ كَمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute