ثُمَّ زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَثْبَتَ مَا أَثْبَتَتْهُ الرُّسُلُ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ وَبَيَّنَ خَطَأَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ الَّذِينَ خَالَفُوا السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ بِابْتِدَاعِ بِدْعَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَبَيَّنَ أَنَّ ضَلَالَ الْفَلَاسِفَةِ - الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَمُخَالَفَتَهُمْ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ - أَعْظَمُ مِنْ ضَلَالِ أُولَئِكَ وَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَلْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُدُوثِهِ بِطُرُقِ أُخْرَى عَقْلِيَّةٍ صَحِيحَةٍ لَا يُعَارِضُهَا عَقْلٌ صَرِيحٌ وَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ. وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ سَوَاءٌ سُمِّيَ جِسْمًا أَوْ عَقْلًا أَوْ نَفْسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. فَإِنَّ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَنَّ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي حُجَّتِهِمْ إلَّا إثْبَاتُ حُدُوثِ أَجْسَامِ الْعَالَمِ قَالَتْ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ - كالشَّهْرَستَانِي وَالرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرِهِمْ - إنَّكُمْ لَمْ تُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ مَا سِوَى الْأَجْسَامِ. وَحِينَئِذٍ فَإِثْبَاتُ حُدُوثِ أَجْسَامِ الْعَالَمِ لَا يَقْتَضِي حُدُوثَ مَا سِوَى اللَّهِ إنْ لَمْ تُثْبِتُوا أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ جِسْمٌ وَأَنْتُمْ لَمْ تُثْبِتُوا ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا صَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - كالأرموي وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْل مِصْرَ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ القشيري - إلَى أَنَّ أَجْسَامَ الْعَالَمِ مُحْدَثَةٌ. وَأَمَّا الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ فَتَوَقَّفُوا عَنْ حُدُوثِهَا وَقَالُوا بِقِدَمِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute