وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ لَهَا وَإِنَّهُ مُحْدِثٌ لِلْأَجْسَامِ بِسَبَبِ حُدُوثِ بَعْضِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ لِلنُّفُوسِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا أَنَّهُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ فِي الشَّرْعِ: فَهُوَ أَيْضًا مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ فِي الْعَقْلِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَنَقُولُ: الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. وَ " أَيْضًا " فَإِذَا كَانَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ كَانَ اخْتِصَاصُ حُدُوثِ أَجْسَامِ الْعَالَمِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ يَفْتَقِرُ إلَى مُخَصِّصٍ وَالْمُوجِبُ بِذَاتِهِ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ دُونَ وَقْتٍ؛ إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا بِذَاتِهِ؛ وَلَجَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ عَنْهُ وَلِأَنَّ النُّفُوسَ الَّتِي تُثْبِتُهَا الْفَلَاسِفَةُ هِيَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ عَرَضٌ قَائِمٌ بِجِسْمِ الْفَلَكِ؛ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِهِ بِدُونِ الْفَلَكِ وَعِنْدَ ابْنِ سِينَا وَطَائِفَةٍ أَنَّهَا جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِسْمِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ. وَحِينَئِذٍ فَلَوْ وُجِدَتْ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْجِسْمِ لَمْ تَكُنْ نَفْسًا؛ بَلْ كَانَتْ عَقْلًا فَعُلِمَ أَنَّ وُجُود النَّفْسِ مُسْتَلْزِمٌ لِوُجُودِ الْجِسْمِ. فَإِذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إنَّ النَّفْسَ أَزَلِيَّةٌ دُونَ الْأَجْسَامِ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute