للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَحْنُ نُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِ الطُّرُقِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى. فَنَقُولُ: مِنْ " الطُّرُقِ " الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ هِيَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ فِيمَا سِوَى اللَّهِ شَيْءٌ قَدِيمٌ لَكَانَ صَادِرًا عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ مُوجِبَةٍ بِذَاتِهَا مُسْتَلْزِمَةٍ لِمَعْلُولِهَا سَوَاءً ثَبَتَ لَهُ مَشِيئَةٌ أَوْ اخْتِيَارٌ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ؛ فَإِنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِنَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَزَلِ مُقْتَضٍ تَامٌّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ صَادِرٌ عَنْ مُؤَثِّرٍ لَا يَلْزَمُهُ أَثَرُهُ فَلَا يَقُولُ: إنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عِلَّةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِغَيْرِ مَعْلُولِهَا وَلَا يَقُولُ: إنَّهُ صَادِرٌ عَنْ مُوجِبٍ بِذَاتِهِ لَا يُقَارِنُهُ مُوجَبُهُ وَمُقْتَضَاهُ وَلَا يَقُولُ: إنَّهُ صَادِرٌ عَنْ فَاعِلٍ بِالِاخْتِيَارِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَخَّرَ مَفْعُولُهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَأَخُّرُ مَفْعُولِهِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ قَدِيمًا أَزَلِيًّا فَيَكُونُ ثُبُوتُهُ فِي الْأَزَلِ مُمْكِنًا وَلَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ فِي الْأَزَلِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِي الْأَزَلِ. فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمُمْكِنِ الْأَزَلِيِّ بِدُونِ مُقْتَضٍ تَامٍّ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ مُمْتَنِعٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. إذْ قَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمُمْكِنَاتِ لَا يَكُونُ حَتَّى يَحْصُلَ الْمُقْتَضِي التَّامُّ الْمُسْتَلْزِمُ لِثُبُوتِهِ.