وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْوُجُوبِ؛ بَلْ يَكُونُ الْعَقْلُ بِالْوُجُودِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنَازِعْ فِي أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورُهُ الْمُعَيَّنُ أَزَلِيًّا مُقَارِنًا لَهُ؛ بَلْ هَذَا مِمَّا لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ لَا هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرُهُمْ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا سِوَى اللَّهِ أَزَلِيًّا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُؤَثِّرٌ تَامٌّ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فِي الْأَزَلِ؛ سَوَاءٌ سُمِّيَ عِلَّةً تَامَّةً أَوْ مُوجِبًا بِالذَّاتِ أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِالْإِرَادَةِ وَأَنَّ مُرَادَهُ الْمُعَيَّنَ يَكُونُ أَزَلِيًّا مُقَارِنًا لَهُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ: ثُبُوتُ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ مُمْتَنِعٌ فَإِنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ الْأَزَلِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا؛ فَإِنَّهُ إنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً لِمَعْلُولِهَا؛ فَيَمْتَنِعُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِذَاتِهِ وَأَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ مُوجَبَهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مُوجَبِهِ؛ فَإِنَّ الْمُوجِبَ بِالذَّاتِ لِشَيْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُوجَبُ جَمِيعُهُ مُقَارِنًا لِذَاتِهِ وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا. وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا لَمْ تَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً لِذَلِكَ الْمُسْتَأْخَرِ. وَالْفَلَاسِفَةُ يُسَلِّمُونَ أَنْ لَيْسَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ فِي الْأَزَلِ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِأَمْرِ حَادِثٍ عَنْهُ غَيْرِ أَزَلِيٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute