للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِذَلِكَ تَسَمَّى الْحَقُّ لَنَا بِرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ وَلَمْ يَقُلْ رَفِيعَ الدَّرَجَةِ فَكَثَّرَ الدَّرَجَاتِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قَضَى أَنْ لَا يُعْبَدَ إلَّا إيَّاهُ فِي دَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ أَعْطَتْ كُلُّ دَرَجَةٍ مُجَلَّى إلَهِيًّا عُبِدَ فِيهَا. وَأَعْظَمُ مُجَلَّى عُبِدَ فِيهِ وَأَعْلَاهُ الْهَوَى كَمَا قَالَ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ} فَهُوَ أَعْظَمُ مَعْبُودٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْبَدُ شَيْءٌ إلَّا بِهِ وَلَا يُعْبَدُ هُوَ إلَّا بِذَاتِهِ. وَفِيهِ أَقُولُ: وَحَقُّ الْهَوَى أَنَّ الْهَوَى: سَبَبُ الْهَوَى وَلَوْلَا الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مَا عُبِدَ الْهَوَى أَلَا تَرَى عِلْمَ اللَّهِ بِالْأَشْيَاءِ مَا أَكْمَلَهُ كَيْفَ تَمَّمَ فِي حَقِّ مَنْ عَبَدَ هَوَاهُ وَاِتَّخَذَهُ إلَهًا فَقَالَ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} وَالضَّلَالَةُ الْحَيْرَةُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى هَذَا الْعَابِدَ مَا عَبَدَ إلَّا هَوَاهُ بِانْقِيَادِهِ لِطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ مَنْ عَبَدَهُ مِنْ الْأَشْخَاصِ حَتَّى أَنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ كَانَتْ عَنْ هَوًى أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْجَنَابِ الْمُقَدَّسِ هَوًى وَهُوَ الْإِرَادَةُ بِمَحَبَّةِ مَا عَبَدَ اللَّهَ وَلَا آثَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَبَدَ صُورَةً مَا مِنْ صُوَرِ الْعَالَمِ وَاِتَّخَذَهَا إلَهًا مَا اتَّخَذَهَا إلَّا بِالْهَوَى فَالْعَابِدُ لَا يَزَالُ تَحْتَ سُلْطَانِ هَوَاهُ ثُمَّ رَأَى الْمَعْبُودَاتِ تَتَنَوَّعُ فِي الْعَابِدِينَ فَكُلُّ عَابِدٍ أَمْرًا مَا: يُكَفِّرُ مَنْ يَعْبُدُ سِوَاهُ وَاَلَّذِي عِنْدَهُ أَدْنَى تَنَبُّهٍ يَحَارُ لِاتِّحَادِ الْهَوَى: بَلْ لأحدية الْهَوَى كَمَا ذَكَرَ فَإِنَّهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَابِدٍ {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ} أَيْ حَيَّرَهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ؛ بِأَنَّ كُلَّ عَابِدٍ مَا عَبَدَ إلَّا هَوَاهُ وَلَا اسْتَعْبَدَهُ إلَّا هَوَاهُ سَوَاءٌ