للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَادَفَ الْأَمْرَ الْمَشْرُوعَ أَوْ لَمْ يُصَادِفْ وَالْعَارِفُ الْمُكَمَّلُ مَنْ رَأَى كُلَّ مَعْبُودٍ مُجَلَّى لِلْحَقِّ يُعْبَدُ فِيهِ. وَلِذَلِكَ سَمَّوْهُ كُلُّهُمْ إلَهًا مَعَ اسْمِهِ الْخَاصِّ شَجَرٌ أَوْ حَجَرٌ أَوْ حَيَوَانٌ؛ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ كَوْكَبٌ أَوْ مَلَكٌ؛ هَذَا اسْمُ الشَّخْصِيَّةِ فِيهِ وَالْأُلُوهِيَّةِ مَرْتَبَةٌ تُخَيِّلُ الْعَابِدَ لَهُ أَنَّهَا مَرْتَبَةُ مَعْبُودِهِ وَهِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُجَلَّى الْحَقِّ لِبَصَرِ هَذَا الْعَابِدِ؛ الْمُعْتَكِفِ عَلَى هَذَا الْمَعْبُودِ فِي هَذَا الْمُجَلَّى الْمُخْتَصِّ بِحَجَرِ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَقَالَهُ جَهَالَةً: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى} مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إيَّاهُمْ آلِهَةً كَمَا قَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فَمَا أَنْكَرُوهُ بَلْ تَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ وَقَفُوا مَعَ كَثْرَةِ الصُّورَةِ وَنِسْبَةِ الْأُلُوهِيَّةِ لَهَا فَجَاءَ الرَّسُولُ وَدَعَاهُمْ إلَى إلَهٍ وَاحِدٍ يُعْرَفُ وَلَا يَشْهَدُ بِشَهَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوهُ عِنْدَهُمْ وَاعْتَقَدُوهُ فِي قَوْلِهِمْ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى} لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ حِجَارَةٌ. وَلِذَلِكَ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {قُلْ سَمُّوهُمْ} فَمَا يُسَمُّونَهُمْ إلَّا بِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ لَهُمْ حَقِيقَةٌ كَحَجَرِ وَخَشَبٍ وَكَوْكَبٍ وَأَمْثَالِهَا. وَأَمَّا الْعَارِفُونَ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ: فَيَظْهَرُونَ بِصُورَةِ الْإِنْكَارِ لِمَا عُبِدَ مِنْ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ مَرْتَبَتَهُمْ فِي الْعِلْمِ تُعْطِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا بِحُكْمِ الْوَقْتِ لِحُكْمِ الرَّسُولِ الَّذِي آمَنُوا بِهِ عَلَيْهِمْ الَّذِي بِهِ سُمُّوا مُؤْمِنِينَ فَهُمْ عُبَّادُ الْوَقْتِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَا عَبَدُوا مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ أَعْيَانَهَا وَإِنَّمَا عَبَدُوا اللَّهَ فِيهَا بِحُكْمِ سُلْطَانِ التَّجَلِّي