يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا} . فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَكِ عَلَيْهِ تَارَةً يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ بِصَوْتِ مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ. وَتَارَةً يَكُونُ مُتَمَثِّلًا بِصُورَةِ رَجُلٍ يُكَلِّمُهُ كَمَا كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَكَمَا تَمَثَّلَ لِمَرْيَمَ بَشَرًا سَوِيًّا وَكَمَا جَاءَتْ الْمَلَائِكَةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَلِلُوطِ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ كِلَا النَّوْعَيْنِ إلْقَاءَ الْمَلَكِ وَخِطَابَهُ وَحْيًا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَفَاءِ؛ فَإِنَّهُ إذَا رَآهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَلَكٌ وَإِذَا جَاءَ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ يَحْتَاجُ إلَى فَهْمِ مَا فِي الصَّوْتِ. وَ " الْقِسْمُ الثَّالِثُ " التَّكْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَمَا كَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ هَذَا " نِدَاءً " وَ " نِجَاءً " فَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} {إنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} وَهَذَا التَّكْلِيمُ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ إيحَائِهِ إلَى الْأَنْبِيَاءِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فَمَنْ جَعَلَ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْوَحْيِ الْأَوَّلِ - كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute