للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيَّنَ أَحْمَد لِلسَّائِلِ: أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَقَائِمٌ بِهِ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْمُتَكَلِّمِ وَلَا قَائِمٍ بِهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ كَلَامَك أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ مِنْك؛ لَا مِنْ غَيْرِك فَإِذَا كُنْت أَنْتَ مَخْلُوقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُك أَيْضًا مَخْلُوقًا وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ مِنْهُ وَبِهِ مَخْلُوقًا. وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى " الْجَهْمِيَّة " الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ. فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ مُتَكَلِّمًا وَلَا هُوَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مُرَادُ الرُّسُلِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّ اللَّهَ قَالَ وَيَقُولُ وَتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَنَادَى وَنَاجَى وَدَعَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ اللَّهِ رُسُلُهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} وَقَالَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} . وَلَيْسَ الْقُرْآنُ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهَا حَتَّى يُقَالَ: هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالْإِرَادَةِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ لَا يَقُومُ إلَّا بِمَوْصُوفِ وَكُلُّ مَعْنًى لَهُ اسْمٌ