للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْحَقِيقَةُ النَّارِيَّةُ مَوْجُودَةٌ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعَيْنُ لَيْسَتْ تِلْكَ؛ لَكِنَّ النَّارَ وَالْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْكَلَامِ الَّذِي يُبَلَّغُ عَنْ الْغَيْرِ؛ بَلْ هُوَ مِثْلُ أَنْ يَسْمَعَ بَعْضُ النَّاسِ كَلَامَ غَيْرِهِ وَشِعْرَ غَيْرِهِ فَيَقُولُ مِنْ جِنْسِ مَا قَالَ وَيَقُولُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ. كَمَا يُقَالُ: وَقْعُ الْخَاطِرِ عَلَى الْخَاطِرِ كَوَقْعِ الْحَافِرِ عَلَى الْحَافِرِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّبْلِيغِ وَالرِّوَايَةِ فِي شَيْءٍ (فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ هُوَ كَلَامُ لَبِيَدٍ

كَيْفَ مَا أَنْشَدَهُ النَّاسُ وَكَتَبُوهُ؛ فَهَذَا الشِّعْرُ الَّذِي يُنْشِدُهُ هُوَ شِعْرُ لَبِيَدٍ بِعَيْنِهِ. فَإِذَا قِيلَ: الشِّعْرُ الَّذِي قَامَ بِنَا هُوَ الَّذِي قَامَ بلبيد. قِيلَ: إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الشِّعْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ إنْ أُرِيدَ أَنَّ نَفْسَ مَا قَامَ بِذَاتِهِ فَارَقَ ذَاتَه وَانْتَقَلَ إلَيْنَا؛ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ أُرِيدَ أَنَّ عَيْنَ الصِّفَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِذَلِكَ الشَّخْصِ كَحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ هِيَ عَيْنُ الصِّفَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِنَا كَحَرَكَتِنَا وَصَوْتِنَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ) (*). فَقَوْلُك: هَذَا هُوَ هَذَا لَفْظٌ فِيهِ إجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ السِّيَاقُ. فَإِذَا قُلْت: هَذَا الْكَلَامُ هُوَ ذَاكَ أَوْ هَذَا الشِّعْرُ هُوَ ذَاكَ كُنْت صَادِقًا. وَإِذَا قُلْت هَذَا الصَّوْتُ هُوَ ذَاكَ كَانَ كَذِبًا. وَالنَّاسُ لَا يَقْصِدُونَ إذَا قَالُوا: هَذَا شِعْرُ لَبِيَدٍ إلَّا الْقَدْرَ الْمُتَّحِدَ


قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ١١٠):
وقوله هنا (إن أريد بذلك أن الشعر من حيث هو هو إن أريد أن نفس ما قام بذاته فارق ذاته وانتقل إلينا، فليس كذلك) فيه سقط ظاهر، فإن قوله (إن أريد بذلك. . .) جملة شرطية لا جواب لها.
وقد ذكر الشيخ قبل هذه الصفحة بصفحات قلائل ما يشبه هذه الجمل الشرطية، فقال (١٢/ ٥٣٥، ٥٣٦) (فإذا قال القائل: هل هذا الحديث الذي قرأه المحدث القائم به حين القراءة هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قام به حين تكلم به وكان صفة له أم لا؟ قيل له: إن كنت تريد: أن نفس الحديث من حيث هو هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قام به حين تكلم به كان صفة له، فنعم. هذا الحديث من حيث هو هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنت تريد: أن ما اختص بالقارئ من حركاته وأصواته هو القائم بالرسول، فليس كذلك).
فمن هذا النص يكون صواب العبارة السابقة والله أعلم:
(إن أريد بذلك أن الشعر من حيث هو هو [شعر لبيد الذي قام به حين تكلم به كان صفة له فنعم، و] إن أريد أن نفس ما قام بذاته فارق ذاته وانتقل إلينا، فليس كذلك. .).