وَهِيَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعَ قَصْرِ النَّظَرِ عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: الْقَدْرُ الْمُتَّحِدُ كُلِّيٌّ مُطْلَقٌ وَالْكُلِّيَّاتُ إنَّمَا تُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. قِيلَ: ذِكْرُ هَذَا هُنَا غَلَطٌ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَالُ لَوْ كَانَ رَجُلٌ قَدْ قَالَ شِعْرُ لَبِيَدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِشِعْرِهِ. فَنَقُولُ: هذان شَيْئَانِ اشْتَرَكَا فِي النَّوْعِ الْكُلِّيِّ وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ وَالْكُلِّيُّ إنَّمَا يُوجَدُ كُلِّيًّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا هُنَا فَنَفْسُ شِعْرِهِ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَقِيقَةِ الْكَلَامِيَّةِ - مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صَوْتِ زَيْدٍ وَصَوْتِ عَمْرٍو - مَوْجُودٌ لَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ لَبِيَدِ وَمَوْجُودٌ إذَا أَنْشَدَهُ غَيْرُ لَبِيَدٍ وَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ الْمُتَّحِدَةُ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَهُنَا؛ لَيْسَتْ مِثْلَ وُجُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ؛ فَإِنَّ إنْسَانِيَّةَ زَيْدٍ لَيْسَتْ إنْسَانِيَّةَ عَمْرٍو بَلْ مِثْلُهَا وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ وَهُنَا نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ لَبِيَدِ تَكَلَّمَ بِهِ الْمُنْشِدُ عَنْهُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ أَنْشَأَ مِثْلَهُ وَلَا أَنْشَدَ مِثْلَهُ بَلْ يُقَالُ: أَنْشَدَ شِعْرَهُ بِعَيْنِهِ. لَكِنَّ الشِّعْرَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ إمَّا بلبيد وَإِمَّا بِغَيْرِهِ وَالْقَائِمُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلَ الْقَائِمِ بِغَيْرِهِ؛ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ. فَالتَّمَاثُلُ وَالتَّغَايُرُ فِي الْوَسِيلَةِ وَالِاتِّحَادُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَقْصُودَةِ وَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ هِيَ إنْشَاءُ لَبِيَدٍ لَا إنْشَاءُ غَيْرِهِ وَالْعُقَلَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute