للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هَذَا كَلَامُ اللَّهِ مَسْمُوعًا مِنْ اللَّهِ وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَالَيْنِ؛ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهَا أَنَّ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ قَدِيمٌ وَتِلْكَ لَمْ تَجْعَلْهُ كَلَامَ اللَّهِ؛ بَلْ كَلَامَ النَّاسِ. فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَيْسَ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هَذَا الصَّوْتُ الْمَسْمُوعُ قَدِيمٌ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَضَلَالٌ؛ لَكِنْ هُوَ كَلَامُهُ مُقَيَّدًا بِوَاسِطَةِ الْمُبَلِّغِ الْقَارِئِ لَيْسَ هُوَ كَلَامَهُ وَصِفَتَهُ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ مَسْمُوعًا مِنْهُ وَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ يُضَافُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إذَا سُمِعَ مِنْهُ وَمُقَيَّدًا إذَا سُمِعَ مِنْ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ رُؤْيَتَهُ يُقَالُ: مُطْلَقَةٌ إذَا رُئِيَ مُبَاشَرَةً. وَيُقَالُ: مُقَيَّدَةٌ إذَا رُئِيَ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إذَا قَامَ بِنَا هَلْ كَانَ مُنْتَقِلًا عَنْ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَامَ بِهِ أَمْ يَكُونُ قَائِمًا بِنَا وَبِهِ مَعًا؟ أَمْ الَّذِي قَامَ بِنَا يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْهُ؟ وَيَكُونُ إطْلَاقُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ مَجَازًا؟ فَيُقَالُ: إنَّ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ لَا تُفَارِقُ ذَاتَه وَتَنْتَقِلُ عَنْهُ وَتَقُومُ بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صِفَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فَارَقَتْ ذَاتَه وَانْتَقَلَتْ عَنْهُ وَقَامَتْ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مِنَّا إذَا أَرْسَلَ غَيْرَهُ بِكَلَامِ فَإِنَّهُ مَا قَامَ بِهِ؛ بَلْ لَمْ يُفَارِقْ ذَاتَه وَيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ؛ فَكَلَامُ اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ بَلْ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِهِ كَمَا يَقُومُ بِهِ لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ وَلَمْ يُرْسِلْ بِهِ رَسُولًا فَإِرْسَالُهُ رَسُولًا بِهِ يُفِيدُ إبْلَاغَهُ إلَى الْخَلْقِ. وَإِنْزَالَهُ إلَيْهِمْ