للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الْكَلَامِ كَلَامُهُ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ فِي الْحَالَيْنِ - كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ - فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْحَالَ إذَا سُمِعَ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ كَالْحَالِ إذَا سُمِعَ مِنْ خَلْقِهِ وَذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ وَاحِدًا. فَإِذَا كَانَ هَذَا الْفَرْقُ ثَابِتًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِ مَسْمُوعًا وَمُبَلَّغًا عَنْهُ فَثُبُوتُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَكَلُّمُهُ بِهِ وَسَمَاعُهُ مِمَّا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا مِثَالٌ وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ بِتَكَلُّمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ صِفَاتِهِ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَا مِثَالَ لَهُ وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ مُمَاثَلَةِ أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْ مُمَاثَلَةِ أَدْنَاهَا.

وَقَوْلُ السَّائِلِ: إذَا تَلَوْنَاهُ وَقَامَ بِنَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَتُهُ أَمْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّهِ دُونَ صِفَتِهِ؟ أَمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَجِبُ بَيَانُهُ؟ فَيُقَالُ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَتُهُ مَسْمُوعًا مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ لَا مِنْهُ؛ فَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ بِدُونِ هَذَا التَّفْصِيلِ يُوهِمُ: إمَّا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ مَسْمُوعًا مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ. بَلْ كَلَامُ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَقَعَ فِي كَلَامِ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النَّاسِ. طَائِفَةٌ جَعَلَتْ هَذَا كَلَامَ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ؛ لَا كَلَامَ